فصل: وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الأتراك والانكشارية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الأتراك والانكشارية

والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقه شخصًا من الأتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك ويسلمه عسكر الأرنؤد فيودعونه في مكان مع أمثاله حتى يتحققوا أمره‏.‏

وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعًا لهم فاشتكوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوي‏.‏

وفيه حضر أيضًا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططري وسألوه عن جواري سود عنده لمحمد باشا وأنهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجواري فذهب ذلك الططري الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجواري أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن‏.‏

وفيه حضر أيضًا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندي بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار‏.‏

وفي يوم الجمعة نهبوا دار أحمد أفندي الذي كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعمًا أنه هو الذي دل عليه‏.‏

وفي يوم السبت مر سليم آغا وأمامه المناداة على الأغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحدز وفي يوم الأحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرًا وأخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحجاج وأن عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرًا على مكة والشيخ عقليًا قاضيًا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والأبنية التي أعلى من الكعبة وذلك بعد أن عقد مجلسًا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليهم من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة وأخبروا أن الشريف غالبًا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وأنهم فارقوا الحجاج في الجديدة‏.‏

وفيه كتبوا عرضحالين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الأرنؤد على الانكشارية لما أثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكاد يعمها الخراب لولا قرب الأمراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا أيدي المتعدين والثاني يتضمن رفع الإحداثات التي في ضمن الأوامر التي كانت مع الدفتردار التي تقدمت الإشارة إليها‏.‏

وفيه عزم الأمراء على التوجه الى جهة بحري فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف إلا ابراهيم بك وأتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر أيضًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير الى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة وأخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والإسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضًا ذهابًا وإيابًا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضًا محمد أفندي باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي‏.‏

وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الألفي مقيمًا بقصر الجيزة‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقى بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من العسكر فتحصنوا بها فلما حضر رليهم حسن بك أخو طاهر باشا بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا ما لا خير فيه قتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضًا ثم أن بعض أكابر العسكر المنهزمين أرسل الى حسن بك يطلب منه أمانًا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانًا فحضروا إليه وانضموا لعسكره وسهلوا له أمر محمد باشا وأنه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون أصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى أن عادوا وتأهبوا للحرب ثانيًا وخرج إليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون إليه من أولئك فلما أن نشبت الحرب بينهم أخذوهم مواسطة فأثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم أهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم إلا من كان في عزوة أو هرب الى جهة أخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال‏.‏

وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة‏.‏

وفي حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح أفندي الى سكندرية فأرسل خورشيد أفندي حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره وأطلعه على المكتوب الذي حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح أفندي المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا وأحمد بك الأرنؤدي وأمرهما بأن يأخذا ما معه من الأوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الأوراق خطاب لطاهر باشا وأنه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وأنهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم وأننا وجهنا له ولاية سنانيك وأن طاهر باشا يستمر على المحافظة وأحمد باشا قائمقام الى أن يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد أحمد باشا قائمقام دون طاهر باشا أن طاهر باشا أرنؤد وليس له إلا طوخان ومن قواعدهم القديمة أنهم لا يقلدون الأرنؤد ثلاثة أطواخ أبدًا‏.‏

وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل‏.‏

وفي يوم الأحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم وكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصًا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارًا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير وأكثرهم أوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم آغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والأجناد والعسكر فاستلموا المحمل من أمير الحاج وأمروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبًا من الوهابي ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خاريجًا وكافرًا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق أقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وأرسل الى شيخ الركب المغربي كتابًا ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئًا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وقال الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون وقال تعالى وإن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوًا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصًا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصًا لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر أنه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولًا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا وقال تعالى ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذًا من الظالمين فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدًا فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع‏.‏

ثم يحد له حدًا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من العلماء المسلمين بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهاجهم وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادًا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضًا أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه ولا تمثالًا إلا طمسه ولهذا ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر الى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قالتناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى إقامة الصلوات في الجماعات الى الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضًا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لاتزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول إن كاد كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضًا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان والحافظ المقريزي في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد الشيطان وغير ذلك انتهى‏.‏

وفي ذلك اليوم نودي على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة أمير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا أيضًا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لأجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك‏.‏

وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد إنسانًا من أكابر غزة يسمى علي آغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسًا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفة بأمور الهندسة فوجده جالسًا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف أمامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه ألف دينار ذهبًا بإخبار أخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلًا لا بأس به‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1218 استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج والجميع كانوا نحو ألفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فإنهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته‏.‏

وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الأمراء المصرلية وأنه وصل الى أسيوط فكتبوا له أمانًا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجهًا الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين ألف فضة‏.‏

وفي يوم الجمعة كان المولد النبوي ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الأسواق تلك الليلة والليلة التي قبلها ولكن دون ذلك وأما الأزبكية فلم يعمل بها وقدة إلا قبالة بيت البكري لاستيلاء الحراب عليها‏.‏

وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللًا وبارودًا الى جهة بحري وأشيع بأن كثيرًا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه وأتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الأبكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالًا شنيعة من الفسق والفجور وأخذوا حتى ما على أجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع أسباب التجار التي بها من أصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئًا كثيرًا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الأرز الذي هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفًا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذي قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والأمر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الأمان فأمنوه فنزل من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه إليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظًا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت‏.‏

وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذي قتل حسين آغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الألفي أيضًا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه‏.‏

وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الإمام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق‏.‏

وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانًا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية‏.‏

وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليًا على مصر عوضًا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابًا للأمراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم أنه متولي على الأقطار المصرية عوضًا عن محمد باشا من اسكندرية الى أسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا وأحمد باشا أنهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الأرنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم وإخراج من بقي على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فإننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب أن لا تدخلوا المدينة إلا بإذن الدلوة فإن تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فإن سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك إن لنا معكم بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم إثنان من طرفنا عاقلان تعملون معهما مشاورة فكتبوا له جوابًا حاصله أن محمد باشا لما كان متوليًا لم نزل تترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا إلا قسوة ولا يسمح لنا بالإقامة بالقطر المصري جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى أن حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلمًا وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر إلينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر وأمن المدينة والرعية وأما محمد باشا فإنه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوجه عثمان بك البرديسي لتأمين أهالي القرى الى أن وصل ال ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر إلا ومحمد باشا صدمهم ليلًا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الإعزاز والإكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم إننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من أوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم إن حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فإننا لا نستعين إلا بالله وإننا أرسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب‏.‏

وفي ثاني عشرينه حضر واحد آغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانًا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانيين وما أحدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وأمضوا عليه ونادوا في الأسواق برفع ما أحدثه الفرنساوية والعثمانية من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الآغا الواصل ألف ريال حق طريقه وسافر‏.‏

وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم أفندي فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم أفندي فهم على ذلك وإذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد علي القبطان الى رشيد‏.‏

وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادي هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على أولاد الخادم ثمانين ألف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوي هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فإن الفرنساوية نهبونا وأخذوا أموالنا ثم أن محمد باشا أرسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلثمائة ألف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الأرنؤد الذين كانوا سابقًا في خدمته وجماعة من الأجناد المصرلية ولم يكن معه من أتباعه إلا ست مماليك فقط فإن مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الأرنؤد ومنهم من يخدم الأرنؤد المحافظين عليه ووافق أن ذلك اليوم كان جمع سيدي أحمد البدوي ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع إليها فرأى جمع الناس فظن أنهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال‏.‏

وكان ابراهيم بك في ذلك اليوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر النقيب الأشراف باستدعاء فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضًا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر إليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانًا وركب مماليكه حميرًا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل إليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي وأخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الألفي وباقي الأمراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع أكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم أن ابراهيم بك قدم له حصانًا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار‏.‏

وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الألفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد أن كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم وإحسانهم وبقي تحت حكمهم فالعياذ بالله م زوال النعم وقهر الرجال‏.‏

استهل بيوم الأربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب إقامة بنديرة الانجليز بمصر‏.‏

وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجهًا الى جهة رشيد‏.‏

وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا أن الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم أخبار بأن العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والأوراق فيها خطاب من شريف باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته‏.‏

وفي يوم الاثنين نادى الآغا والوالي بالأسواق على العثمانية والأتراك والأغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدر وأمروا عثمان بك أمير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادي عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا‏.‏

وفي يوم الأربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا يبيعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال وأكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئًا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقي منهم أناس التجأوا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا إليهم‏.‏ وفيه